الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالطَّيِّبَاتُ مِنْ الرِّزْقِ}: وَقِيلَ: هِيَ اللَّذَّاتُ، وَكُلُّ لَذَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً فَإِنْ اسْتِدَامَتَهَا وَالِاسْتِرْسَالَ عَلَيْهَا مَكْرُوهٌ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. .الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا أَحَدَ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى مِنْ اللَّهِ، يُعَاقِبُهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَهُمْ يَدَّعُونَ لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ». .الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: فَإِذَا كَانَ فِي الْقِيَامَةِ خَلَصَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي النَّعِيمِ، وَكَانَ لِلْكُفَّارِ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ. اهـ. .قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جوابًا، و{زينة الله} هي ما حسنته الشريعة وقررته. وزينة الدنيا هي كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين وهي الزينة التي فضل الشرع عليها، وقوله: {والطيبات} قال الجمهور يريد المحللات، وقال الشافعي وغيره يريد المستلذات. قال القاضي أبو محمد: إلا أن ذلك ولابد يشترط فيه أن يكون من الحلال، وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ وغيرها فإنه يقول هي من الخبائث محرمة. وقوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}. قرأ نافع وحده {خالصةٌ} بالرفع والباقون {خالصةً} بالنصب، والآية تتأول على معنيين أحدهما أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا، وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون، فقوله: {في الحياة الدنيا} متعلق ب {آمنوا}. وإلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير، فإنه قال: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا} ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها، وقوله: {خالصةٌ} بالرفع خبر هي، و{للذين} تبيين للخلوص، ويصح أن يكون خالصة خبرًا بعد خبر، و{يوم القيامة} يريد به وقت الحساب، وقرأ قتادة والكسائي {قل هي لمن آمن في الحياة الدنيا}، والمعنى الثاني هو أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضًا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحد في استعمالها في الآخرة، وهذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد، فقوله: {في الحياة الدنيا} على هذا التأويل متعلق بالمحذوف المقدر في قوله: {للذين آمنوا} كأنه قال هي خالصة أو ثابتة في الحياة الدنيا للذين آمنوا، و{خالصةٌ} بالرفع خبر بعد خبر، أو خبر ابتداء مقدر تقديره: وهي خالصة يوم القيامة، و{يوم القيامة} يراد به استمرار الكون في الجنة، وأما من نصب {خالصةً} فعلى الحال من الذكر الذي في قوله: {للذين آمنوا}، التقدير هي ثابتة أو مستقرة للذين آمنوا في حال خلوص لهم، والعامل فيها ما في اللام من معنى الفعل في قوله: {للذين}. وقال أبو علي في الحجة: ويصح أن يتعلق قوله: {في الحياة الدنيا} بقوله: {حرم} ولا يصح أن يتعلق ب {زينة} لأنها مصدر قد وصف، ويصح أني يتعلق بقوله: {أخرج لعباده} ويجوز ذلك وإن فصل بين الصلة والموصول بقوله: {قل هي للذين آمنوا} لأن ذلك كلام يشد القصة وليس بأجنبي منها جدًّا كما جاء في قوله: {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة} [يونس: 27] فقوله: {وترهقهم ذلة} معطوف على {كسبوا} داخل في الصلة، والتعلق ب {أخرج} هو قول الأخفش ويصح أن يتعلق بقوله: {والطيبات}. ويصح أن يتعلق بقوله: {من الرزق} ويصح أن يتعلق بقوله: {آمنوا}. قال القاضي أبو محمد: وهذا الأخير هو أصح الأقوال على هذا التأويل الأول فيما رتبناه هنا، وأما على التأويل الآخر فيضعف معنى الآية هذه المتعلقات التي ذكر أبو علي وإنما يظهر أن يتعلق المحذوف المقدر في قوله: {للذين آمنوا} وقوله تعالى: {كذلك} تقدير الكلام أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر فكذلك وعلى تلك الصورة نفصل الآيات أي نبين الأمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به، و{نفصل} معناه نقسم ونبين لأن بيان الأمور المشبهات إنما هو في تقسيمها بالفصول. اهـ. .قال ابن الجوزي: في سبب نزولها ثلاثة أقوال: أحدها: أن المشركين عيَّروا المسلمين، إذ لبسوا الثياب في الطواف، وأكلوا الطيبات، فنزلت، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنهم كانوا يُحرِّمون أشياء أحلَّها الله، من الزروع وغيرها، فنزلت هذه الآية. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: نزلت في طوافهم بالبيت عراةً، قاله طاووس، وعطاء. وفي زينة الله قولان: أحدهما: أنها ستر العورة؛ فالمعنى: من حرم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم؟. والثاني: أنها زينة اللباس. وفي الطيبات قولان: أحدهما: أنها الحلال. والثاني: المستلذ. ثم في ما عني بها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها البحائر، والسوائب، والوصائل، والحوامي التي حرَّموها، قاله ابن عباس، وقتادة. والثاني: أنها السَّمْنْ، والألبان، واللحم، وكانوا حرَّموه في الإحرام، قاله ابن زيد. والثالث: الحرث، والأنعام، والألبان، قاله مقاتل. قوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة} قال ابن الأنباري: {خالصة} نصب على الحال من لام مضمرة، تقديرها: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة، فحذفت اللام لوضوح معناها، كما تحذف العرب أشياء لا يُلبِس سقوطها. قال الشاعر: أراد: فقلت لها: الذي اكسبني ما ترين، تتابع أحداث، فحذف لانكشاف المعنى. قال المفسرون: إن المشركين شاركوا المؤمنين في الطيبات، فأكلوا ولبسوا ونكحوا، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للمؤمنين، وليس للمشركين فيها شيء. وقيل: خالصة لهم من ضرر أو إِثم. وقرأ نافع: {خالصةٌ} بالرفع. قال الزجاج: ورفعُها على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب؛ والمعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الدنيا، خالصةٌ يوم القيامة. قوله تعالى: {كذلك نفصِّل الآيات} أي: هكذا نبيِّنها. اهـ. .قال القرطبي: الأولى: قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} بيّن أنهم حَرّموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرّمه الله عليهم. والزينة هنا الملبس الحسن، إذا قدر عليه صاحبه. وقيل: جميع الثياب؛ كما روي عن عمر: إذا وسّع الله عليكم فأوسعوا. وقد تقدّم. وروي عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب شيخِ مالك رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خَزٍّ بخمسين دينارًا، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف تصدّق به، أو باعه فتصدّق بثمنه، وكان يلبَس في الصيف ثوبين من مَتاع مِصر مُمَشَّقَيْن ويقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق}. الثانية: وإذا كان هذا فقد دلّت الآية على لباس الرفيع من الثياب، والتجمُّل بها في الجُمَع والأعياد، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان. قال أبو العالِية: كان المسلمون إذا تزاوَروا تجمّلوا. وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب أنه رأى حُلَّةَ سِيَرَاءَ تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتها ليوم الجمعة وللوفود إذا قدِموا عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة». فما أنكر عليه ذكر التجمّل، وإنما أنكر عليه كونها سِيَرَاءَ. وقد اشترى تميم الدّارِي حُلَّة بألف درهم كان يصلي فيها. وكان مالك بن دِينار يلبس الثياب العدَنية الجياد. وكان ثوب أحمد بن حنبل يشترى بنحو الدينار. أين هذا ممن يرغب عنه ويؤثِر لباس الخشن من الكتّان والصوف من الثياب. ويقول: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} هيهاتا أترى من ذكرنا تركوا لباس التقوى، لا واللها بل هم أهل التقوى وأولو المعرفة والنُّهَى، وغيرهم أهل دَعْوَى، وقلوبهم خالية من التقوى. قال خالد بن شَوْذَب: شهدت الحسن وأتاه فَرْقَد، فأخذه الحسن بكسائه فمدّه إليه وقال: يا فُرَيْقَد، يابن أمّ فريقد، إن البِرّ ليس في هذا الكساء، إنما البِرّ ما وَقَرَ في الصدر وصدّقه العمل. ودخل أبو محمد ابن أخي معروف الكرخِيّ على أبي الحسن بن يَسَار وعليه جبة صوف، فقال له أبو الحسن: يا أبا محمد، صوّفت قلبك أو جسمك؟ صوّف قلبك والبس القُوهِيّ على القُوهِيّ وقال رجل للشّبْليّ: قد ورد جماعة من أصحابك وهم في الجامع، فمضى فرأى عليهم المرقّعات والفُوَط، فأنشأ يقول: قال أبو الفرج بن الجوزِي رحمه الله: وأنا أكره لبس الفُوَط والمرقّعات لأربعة أوجه: أحدها: أنه ليس من لبس السلف، وإنما كانوا يرقعون ضرورة. والثاني: أنه يتضمن ادعاء الفقر، وقد أمِر الإنسان أن يظهر أثر نِعَم الله عليه. والثالث: إظهار التزهد؛ وقد أمرنا بستره.
|